وما أنماط حياتنا إلا ثياب ..
كثيراً ما نتمسك بها ونرفض تبديلها ، على الرغم من أنها قد تضيق علينا وقد لا تلائمنا مرة أخرى ، وعلى الرغم من أن ثياباً أخرى قد تكون أجمل فينا وأكثر ملاءمة ؛ غير أننا ببساطة نعشق القديم ونرفض تركه .
نعيش في جلابيب آبائنا وإن أنكرنا ذلك ، ونرفض الجلابيب الجديدة التي قد تحمل لنا السعادة والهناء لمجرد الارتباط بالماضي ، وإن ذلك أشد ما يأخذه ربنا على الكافرين المتمسكين بدين الأجداد : " إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ ، وإنا على آثارهم مهتدون "
أقرأ في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فأتعجب لأولئك الذين رفضوا دعوته إلى الحق المبين بعدما تبينوه ، وأغلقوا عيونهم عن الضياء الساطع بعدما بهرهم سناه ، وما ذلك إلا لأنهم يأبون مفارقة دين آبائهم .
التجديد في الحياة نحو الأفضل سمة الناجحين ، وخلع العباءات البالية هو خلق الفضلاء ؛ فإن من الحمق بعينه أن يفني المرء عمره في البكاء على ما ضاع منه ، أو في مناطحة الجبال لاختراقها بدلاً من الالتفاف حولها .
قد يكون تجديدي لهيئة مدونتي يتبع تلك النظرية ، نظرية التغيير للأفضل بدلاً من المحاولات العابثة لترقيع الثوب البالي ...
غير أن تلك دعوة مني لنفتح خزائن أفكارنا في الحياة وما توارثناه ؛ فنرمي البالي منها ونحتفظ بالصالح .
ذكرني بهذه النظرية موقف العديدات من زميلاتي في الكلية نحو قضية حصار غزة ؛ إذ لا زلن يكررن قول الأجيال الماضية ، والذي تعلمنه من أهاليهن : الفلسطينيين يستاهلوا اللي بيجرالهم .. هم اللي باعوا بلدهم . الفلسطينيين غدارين ، شوفتي عملوا ايه لما دخلوا مصر ؟
ذات النظرية أتذكرها حينما أتعامل مع أولئك الذين لا يزالون مقتنعين أن الحركات الإسلامية حركات مسلحة إرهابية ، أو أنها - في أحسن الأحوال - حركات تسعى للسلطة ؛ مكررين بذلك أقوال الناصريين ومن لحقهم .
كم يجني الإنسان على نفسه حينما يعيش في جلباب أبيه ! وكم يهلكها حينما يصر على ارتداء نفس الثياب التي كان يرتديها طفلاً !
وما خلطاؤنا وأصدقاؤنا إلا ثياب أيضاً ؛ فذلك شبههم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بالبطانة في حديثه ..
بل كما يقول ربنا تعالى في الأزواج والزوجات : " هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن "
أحسن اختيار ثيابك !
ولا تغرنك الثياب البراقة ، فتنسى أنها غير سابغة لك فترتديها ، فتسيء إلى ذاتك وتفقدها احترامها .
لا تغرنك الثياب الثمينة العطرة ، فلربما آذتك بخشونتها ..وربما أغفلتك عن تلك التي في متناول يدك لا تبهر العين ؛ غير أنها تحسن هيئتك و تزيدك بهاءً ووضاءة ..
ثيابك هي شخصيتك ، هي عنوان نفسك ..
فلا تستمع لأولئك الذين يزكون لك ثياباً لا تلائمك ، أو أولئك الذين ينتقدون ثوبك الذي فيه تستريح وتعلم أنه الأفضل لك ..
أحسن اختيار ثيابك .. فبها تسعد ، وبها تشقى .